هو أبو الحسن ويكنى أحيانا أبا القاسم: منصور بن حسن بن فرح بن حوشب الكوفي…
كان يدعي أنه من ذرية مسلم بن عقيل بن أبي طالب، ويشكك بعض المؤرخين في نسبه، لأن في أسماء أجداده أسماء أعجمية، فجده حوشب بن راذان!! ويبعد أن يسمي القرشيون أبناءهم بمثل هذه الأسماء الأعجمية…
وكان منصور بن حوشب في الحجاز شيعيا على مذهب الإمامية، ثم ذهب لزيارة العتبات الشيعية المقدسة في العراق، كقبور علي والحسنين وبعض الأئمة الاثني عشر وتربة كربلاء وغيرها، وذلك في النصف الثاني من القرن الهجري الثالث، فلقيه هناك ميمون القداح رأس الشيعة الباطنية الإسماعيلية، ودعاه إلى مذهبه…
وكان ميمون القداح سادن ضريح الحسين في العراق، هو وابنه عبيدالله بن ميمون الذي أنشأ الدولة الفاطمية العبيدية لاحقا، فلما أقنع ميمون منصور بن حوشب بدعوتهم وأن ابنه هو المهدي المنتظر المؤيد من السماء، وأنه يحتاج دعاة لبثهم في الناس بالدعوة والمذهب، وافق منصور على هذه المهمة وأن يكون داعية للمهدي عبيدالله حيث يأمره، فاستبقاه عنده فترة حتى قدم من اليمن علي بن الفضل، واستطاع ميمون اقتناصه وجذبه لدعوته، فأمرهما بالتوجه لليمن وأن يمهدا لدعوة المهدي عبيدالله بن ميمون القداح…
وجعل ميمون منصور بن حوشب هو داعيته وهو الأمير، وأمرهما بحسن التعامل والتعاون، وحث كلا منهما أن يذهب إلى بلد مختلف عن الآخر، وعين لمنصور منطقة عدن لاعة في حجة، وكانت حينذاك سوقا كبيرا من أسواق العرب المعروفة، وترك الأمر لابن الفضل في المكان الذي يختاره…
فخرجا بعدما تشعبا بتلك الأفكار، ووصلا سوية إلى ميناء على البحر اسمه غلافقة قرب مدينة بيت الفقيه في تهامة، ومنه افترقا فاتجه ابن الفضل إلى الجند، واتجه ابن حوشب إلى عدن لاعة، وكان وصولهما سنة 286هـ…
فأما خبر علي بن الفضل فقد ذكرناه في مكانه، وأما خبر منصور فإنه لما وصل أظهر التنسك والصلاح وأقام سنوات في عدن لاعة في تعبد وتقشف وزهد، حتى اكتسب محبة الناس والتفوا حوله بما يشبه تصرف ابن الفضل في يافع…
وصار الناس يأتون بزكاتهم لابن حوشب ويقدمونه في الصلاة وفي الأعياد والمناسبات، حتى أمرهم بأن يبنوا له حصن عين محرّم في جبل مسور بحجة، فتعاونوا على بنائه وكان ينفق عليه من أموال الزكوات التي جمعها منهم، فلما فرغوا من بنائه نقل إليه الطعام والحبوب والأموال، ودعا الرجال إلى البيعة على الدعوة للمهدي بعدما بث فيهم هالة حول مكانته ومنزلته في الدين والإسلام، فبايعه قرابة خمسمائة رجل، فأمرهم بالانتقال بأهلهم وأسلحتهم للسكنى في الحصن والتعسكر فيه، فانتقلوا…
فبدأ الكلام يكثر في تلك المناطق، واحتج الناس على تطور دعوة ابن حوشب لعسكرية وبناء حصن وتجميع الأسلحة، فاجتمع أهل تلك المناطق وطلبوا منه النزول والعودة للسكنى بينهم، فرفض، واحتدم النقاش وتطور إلى مواجهات، أمر فيها ابن حوشب أتباعه بقتل أولئك المحتجين وهدم بيوتهم، فحصل ما أمر به، وشاع أمره وانتشر ذكره، واتخذ من حينذاك رايات وأعلن دعوته للإمام المهدي في العراق…
وبدأ مذهبه ينتشر بين العامة في تلك المناطق، واستطاع أخذ حصن مسور في رأس الجبل من أصحابه، وانتقل إليه، وصارت معه جيوش تكبر يوما بعد يوم، وأموال تزيد حينا بعد حين، وصار يغزو القرى والمناطق المجاورة، ويأخذ الأموال…
وتوسعت دولته حتى بلغت مدينة شبام كوكبان القريبة من صنعاء وطرد منها والي ابن أبي يعفر، وأخذ أموال المدينة ونقلها إلى عاصمته في حصن جبل مسور، ثم هاجمه ابن يعفر من صنعاء وطرده من شبام فعاد ابن حوشب أدراجه إلى مسور…
وفي سنة 290هـ أرسل منصور بن حوشب بالهدايا والرسل إلى ميمون القداح وولده عبيدالله في العراق يخبرهما بالفتح والنصر لدعوة المهدي في اليمن، وأنه صار مستقرا في تلك المناطق في مسور وما جاورها، وله الأمر الوحيد النافذ ولا منازع له هناك، ومعه من الجيوش والأموال الشيء الكثير، ولما وصلت تلك الأخبار لميمون فرح بها جدا، وقال لولده عبيدالله: هذه دولتك قد أقبلت…
وقد تخير ميمون القداح وولده عبيدالله في أرض الانتقال بين المغرب واليمن، حيث كان الدعاة قد أرسلوا الرسل من هذين البلدين بالتمكين والقوة، وكذلك بدأت الأخبار تصل من الأحساء والبحرين بظهور حركة وثورة باسم المهدي، ولكن ميمون وابنه اختارا لاحقا المغرب لتكون منطلق دولتهم التي استمرت قرنين ونصف القرن، وسميت الدولة الفاطمية و العبيدية…
بعد أن استقر منصور بن حوشب في مسور وأرسل إلى ميمون القداح (سمي قداحا لأنه كان يعالج لعيون ويقدحها) وابنه، أخذ يوطد حكمه ومملكته…
وجاءته الأخبار أن صاحبه علي بن الفضل قد دخل صنعاء سنة 192هـ وقد اتسع ملكه حتى بلغ من المذيخرة إلي صنعاء، فحرك ابن حوشب جيشه واتجه صوب صنعاء ودخل شبام مرة ثانية وأخذها، ثم اتجه إلى صنعاء فوصلها واستقبله علي بن الفضل، وصارت أكثر اليمن معهم…
وكان علي بن الفضل يظهر لمنصور بن حوشب الاحترام ويقول له: إنما أنا سيف من سيوفك، ويبالغ في احترامه، ولكن منصور بن حوشب كان يخاف منه ويعرف في وجهه الشر والصرامة الزائدة…
وقرر علي بن الفضل النزول إلى تهامة لأخذ زبيد وإفناء ملك بني زياد، فأشار عليه منصور ألا يفعل، وان يبقى في صنعاء لوطد ملكه، ويقوي جيوشه، ويخضع المناطق حول صنعاء، فلم يقبل ابن الفضل مشورته، وتحرك في ربيع الآخر سنة 293، ولكنه تواجه في الطريق مع بعض أعدائه من بني يعفر وبني حوال، فتحرك منصور بن حوشب ليستنقذه، وفعل، وعادا إلى صنعاء سوية…
بعدها عاد منصور بن حوشب إلى مقر حكمه في مسور، واستقر فيه سنوات وتوسع فيما حوله من المناطق…
وفي سنة 299هـ لما دخل علي بن الفضل إلى صنعاء للمرة الثالثة أرسل إلى منصور بن حوشب أنه قرر خلع طاعة المهدي عبيدالله بن ميمون القداح والاستقلال بالحكم وطلب منه البيعة له والانقياد، فأرسل له منصور بالعتاب، والإنكار أن يخلع يد الطاعة ويخلف العهود والوعود، فرد عليه ابن الفضل بأن له في أبي سعيد الجنابي أسوة، ويهدده إن لم يدخل في طاعته أن يقاتله…
وأبو سعيد الجنابي هو الذي أسس الدولة الثالثة للإسماعيلية في الأحساء والبحرين، وكانت باسم عبيدالله بن ميمون القداح، ثم خرج عن الانقياد له وأعلن الأمر لنفسه، فاستن علي بن الفضل بسنته…
وبالفعل فقد تحرك علي بن الفضل ليحاصر منصور بن حوشب، وكان منصور قد حصن قلاعه جيدا، وكان يقول: إني لا آمن هذا الطاغية، وقد وجدت الشر في وجهه يوم اجتمعنا في صنعاء، وحصر ابن الفضل منصورا أكثر من ثمانية أشهر فلم يستطع أن يدخل حصونه، ثم أن منصورا أرسل يطلب الصلح مقابل مال، فوافق ابن الفضل شرط أن يسلم منصور ولده ليكون رهينة عند ابن الفضل، ولا يتحدث الناس أن ابن الفضل عاد خائبا، وأنه تركه فضلا لا عجزا، فأرسل منصور ولده، وطوقه ابن الفضل طوقا من ذهب في رقبته وأخذه معه إلى صنعاء…
واستمر منصور بن حوشب في مملكته بمسور حجة، حتى مات سنة 302هـ، قبل أن يموت علي بن الفضل بالمذيخرة مسموما في العام التالي…
وكان عبدالله بن العباس قد أرسله المهدي قبل ذلك بسنوات ليكون مساعدا لمنصور بن حوشب ومرافقا له وعينا عليه…
فأقر المهدي القداح عبدالله بن العباس الشاوري داعية له في اليمن وأميرا على القرامطة الباطنية في البلاد، فأزعج هذا الأمر الحسن بن منصور فسافر إلى المغرب لمقابلة المهدي وثنيه، فوصل إلى مدينة المهدية التي اختطها المهدي في المغرب سنة 303 هـ في أول وقت انتقاله إليها، ورجع خائبا من عند المهدي…
فعاد حانقا مقهورا، واجتمع بإخوته لما وصل وأخبرهم نيته أن يقتل ابن العباس، فحذره بعضهم، ولكنه أصر وقتله فعلا غدرا، واستقل بحكم البلاد…
ثم أعلن الحسن بن منصور أنه خلع المذهب الشيعي وتسنن، وخرج من مسور لغرض متابعة توسعاته وإخضاع المناطق الأخرى، وترك له خليفة في مسور اسمه إبراهيم السباعي، ولما وصل الحسن إلى عين محرم قتل…
فلما بلغ الأمر إبراهيم السباعي أعلن بالسلطة لنفسه وأنه سني، وطرد أبناء القرامطة وأبناء منصور بن حوشب إلى خارج حصن مسور، فقتلهم الناس وسبوا نساءهم وأبناءهم، وأعلن إبراهيم السباعي تبعيته لسلطان بني زياد في تهامة التابعين للدولة العباسية…
ثم انتقل الأمر لابنه المنتاب بن إبراهيم السباعي ثم ذريته، وانتهت دولة بني حوشب وأحلافهم…
والحمد لله رب العالمين…